على الرغم من الإدانات العلنية التي وجهتها دول عربية رئيسية لـ(إسرائيل) بسبب حرب الإبادة على قطاع غزة، إلا أن وثائق أمريكية مسرّبة كشفت عن تعاون عسكري وأمني متزايد جرى خلف الكواليس بين "تل أبيب" وعدد من العواصم العربية، تحت إشراف القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم).
ووفقًا لتحقيق مشترك للاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين وصحيفة واشنطن بوست، نُشر مساء أمس السبت، فإن الوثائق التي تمتد بين عامي 2022 و2025، تؤكد مشاركة (إسرائيل) في اجتماعات وتدريبات عسكرية مشتركة مع ست دول عربية هي: السعودية والإمارات وقطر والبحرين والأردن ومصر، ضمن تحالف أمني إقليمي أوسع تديره واشنطن.
كما تشير الملفات إلى أن الكويت وعُمان اطّلعتا على مجريات هذه الاجتماعات واعتُبرتا شريكتين محتملتين مستقبلاً.
وتُظهر الوثائق أن اللقاءات عُقدت في مواقع حساسة، من بينها قاعدة العديد الجوية في قطر وفورت كامبل في ولاية كنتاكي الأمريكية، وشملت تدريبات متقدمة في مجالات بالغة الحساسية مثل مكافحة الأنفاق ومواجهة تهديدات إيران ووكلائها في اليمن ولبنان وغزة، إلى جانب تدريبات على العمليات السيبرانية والمعلوماتية.
وتشير الملفات إلى أن أحد الاجتماعات البارزة عُقد في مايو/أيار 2024 في قطر، حيث نُقل الوفد الإسرائيلي مباشرة إلى القاعدة الأمريكية عبر مسار خاص لتجنّب الظهور العلني.
ورغم التوتر الذي أعقب الضربة الجوية الإسرائيلية على الدوحة في سبتمبر/أيلول 2024 – والتي استهدفت قادة من حركة حماس – تُظهر الوثائق أن التعاون بين قطر و(إسرائيل) استؤنف بهدوء بعد اعتذار رسمي من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بوساطة وضغط من إدارة ترامب.
ووفق الوثائق، فقد وُضع التهديد الإيراني في صلب هذا التعاون، إذ توصف طهران بأنها تقود "محور الشر" مع حلفائها في اليمن ولبنان وغزة. وتؤكد أن الهدف الاستراتيجي للتحالف هو تطوير شبكة دفاع جوي إقليمي ضد الطائرات المسيّرة والصواريخ الإيرانية.
وبحلول عام 2024، بدأت بعض الدول العربية بالفعل بمشاركة بيانات الرادار الجوية مع الولايات المتحدة و(إسرائيل)، وتم ربطها بأنظمة اتصالات عسكرية آمنة تشرف عليها واشنطن.
ومع توقيع (إسرائيل) وحماس، الأربعاء الماضي، على اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار يتضمن الإفراج عن أسرى وانسحابًا جزئيًا من غزة، تُظهر الوثائق استعداد بعض هذه الدول للمشاركة في قوة دولية مقترحة للإشراف على المرحلة الانتقالية، وخاصة في تدريب جهاز شرطة فلسطيني جديد.
في المقابل، تُظهر المراسلات الداخلية أن معظم هذه الدول تُفضّل إبقاء التعاون طي السرية، وأكدت الاجتماعات ضرورة منع التصوير أو أي تغطية إعلامية لتجنّب تبعات سياسية داخلية.
وبينما كانت هذه الاجتماعات تُعقد بعيدًا عن الأضواء، واصلت الدول المشاركة إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة في المحافل الدولية؛ إذ وصف أمير قطر الهجوم بأنه "إبادة جماعية"، فيما اتهمت السعودية (إسرائيل) بممارسة "التجويع والتطهير العرقي"، وأصدرت دول أخرى بيانات تدين انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني.
ويرى محللون أن هذا النمط من التعاون الأمني قد يشكل تمهيدًا لتطبيع سياسي أوسع، رغم التوتر الذي خلّفته حرب غزة. ويقول إميل حكيم، خبير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن "واشنطن تعتمد على التنسيق العسكري كأداة لاختراق الجمود السياسي"، لكنه حذّر من أن الهجمات الإسرائيلية ضد حلفاء عرب، مثل قطر، قد تقوّض هذه الاستراتيجية على المدى الطويل.

